[center]أعود بعد فترة طويلة من الانقطاع عن قلعة المتميزين لأصوغ قصة حقيقية رواها لي أحد الأصدقاء من غزة الصابرة والتي حدثت معه صبيحة يوم العدوان الغاشم المستمر على أهلنا في القطاع 27-12-2008
فأبيت إلا أن تصل هذه القصة لجميع الناس . . .
وهي بعنوان :
ما حدث يوم 27-12-2008
استيقظت على وقع ساعة المنبه بصعوبة , نظرت إلى الساعة فإذا هي الثالثة فجرا.
تماما كالموعد الذي ضبطتها عليه لأستيقظ لمذاكرة دروسي استعدادا للامتحان النهائي لنصف العام الدراسي الأول والذي كان مزمعا عقده صبيحة هذا اليوم .
شرعت بالمذاكرة حتى أصبحت الساعة السادسة , جلبت أمي كأسا من الحليب وطلبت منها أن تعد وجبة الإفطار .
وبعد الإفطار عدت للدراسة حتى حان موعد الانطلاق نحو المدرسة الساعة الحادية عشر صباحا . وبعد أن ارتديت ثيابي وجهزت نفسي انطلقت تجاه المدرسة داعيا الله أن يوفقني في الامتحان .
أثناء طريقي إلى المدرسة كانت الشوارع تنبض بالحيوية والنشاط وبأصوات السيارات والمشاة كعادة كل يوم .
وصلت المدرسة الساعة الحادية عشر والنصف تقريبا , تبادلت التحية مع الزملاء وتحدثنا قليلا عن الامتحان وأجوائه , ومن ثم تركتهم واستندت على أحد الجدران القصيرة التي كانت تمتد وسط ساحة المدرسة مقابلا للجهة الغربية من مدينة غزة . " نسيت أن أخبركم أن المدرسة تقع في مكان مرتفع من المدينة حيث يمكن رؤية مساحة شاسعة من المدينة بمجرد الوقوف في ساحتها بكل يسر .
شرعت بتقليب صفحات الكتاب بسرعة محاولا استعادة المعلومات وترسيخها في رأسي , رفعت رأسي إلى أعلى محاولا تذكر بعض المعلومات ولم يدر بخلدي حينئذ أنني سأرى ما سيحدث بعد قليل .
شاهدت مشاهدا متفرقة لو نسيها التاريخ فلن ينساها عقلي وستظل راسخة فيه ما ظللت أعيش على هذه الفانية .
كانت القذائف تهطل كالمطر الذي كان قد تأخر نزوله على القطاع على نقاط معينة من المدينة , كان المبنى الذي تسقط عليه هذه القنابل يطير في السماء ومن ثم يهبط فينفجر وتلفه النيران و الدخان من جهاته الأربع فإذا تلاشت النيران لا يرى هذا المبنى وكأنه ما كان أصلا .
وبعد انهيار المبنى الثالث بدأ صوت الانفجارات يصل من بعيد , أحسست وكأن زلزالا يهزني وصوتا مرعبا غليظا كاد قلبي يقف لشدته .
وسط كل هذه الأحداث وهذه القنابل التي لا تعد حيث كان ما سقط من المباني فقط أمام ناظري يزيد عن خمس عشرة مبنى خلاف المواقع الأرضية كنت متجمدا في مكاني أنظر إلى هذه المشاهد حيث لم ترمش عيناي ولو برمشة .
فأنا ولا أخفيكم سرا من محبي ألعاب الأكشن والتدمير لكن ما شاهدته كان أسوأ بكثير مما شاهدت في هذه الألعاب .
بدأ الأستاذ بعد تجمده في مكانه للحظات يأمرنا للصعود والاحتماء داخل مبنى المدرسة , لم يتردد أحد وانطلقنا إلى أعلى مذعورين لمشاهدة ما كنا نظنه تبقى من دمار من نوافذ الفصول , كان الكثير منا يقف على الشبابيك محاولا ما شاهدة ما يحدث وكان كل واحد منا يحاول الإشارة إلى أحد أماكن القصف لكن أحدا لم يستطع بسبب كثرة هذه الأماكن وتفرقها حيث أحتار كل منا أين يوجه سبابته .
بعد محاولات جاهدة تمكن الأستاذ الذي كان يرتعد ويرتجف خوفا من تنظيمنا واجبارنا على الجلوس في مقاعدنا .
لم أكن خائفا حينها كعادتي عند سماع دوي القصف وأزيز الطائرات , لست أدري ربما لأني كنت مصعوقا .
بعد قليل أحضر المدرس أوراق الامتحان التي كانت تتراقص بين يديه من شدة ارتجافه وكانت القذائف لا تزال تتساقط كالمطر متسابقة في نزولها على الأماكن والمواقع والمباني .
تم توزيع أوراق الامتحان وقرأ الأستاذ التعليمات ويداه لا زالتا ترتجفان وكأنه يقول ( الدور علينا )
أمسكت بالقلم وسميت باسم الله وبدأت الكتابة وعقلي يتجه صوب أهلي ومنزلنا " هل هم بخير يا ترى ؟ " .
كان الامتحان عبارة عن ورقتين منفصلتين تسلم كل منهما للطالب على حده بعد انتهائه من الأخرى , وبعد أن وصل الوقت إلى حوالي 80% من الوقت المقرر للورقة الأولى سقطت قذيفة قريبة جدا كادت الجدران تطير على وقع شدتها , وعادت الفوضى من جديد .
فجأة يدخل أحد أولياء الأمور الفصل متوترا قلقا وكأنه يبحث عن شيء كان وقد ضاع منه , كان يبحث عن ولده راجيا أن يجده بخير , وبعد أن اطمئن على سلامته أمره بالاسراع بالكتابة ( وكانت لا تزال هناك ورقة أخرى ) ليأخذه بعيدا إلى البيت بسلام . في حينها سقطت قذيفة قريبة أخرى وكأن الطائرات تقول " لا امتحانات في هذا اليوم " .
هرع الطلبة من أماكنهم , منهم من سلم ورقة الاختبار الأولى ومنهم من لم تزل في يديه متسابقين للخروج والذهاب بعيدا إلى البيت .
كان الطريق إلى البيت طويلا والوصول إليه تحت ظل هذه القنابل والصواريخ يبدو مستحيلا , عقدت العزم على السير وانطلقت مسرعا .
كنت أتحاشى وأتفادى جميع المباني التي كنت أظنها معرضة للقصف أكثر من غيرها , دقيقة بعد أخرى اقتربت من البيت بعد أن شاهدت في طريقي دمارا لم أكن معتادا عليه .
وصلت والحمد لله بسلام بعد أن شاهدت الدمار والمواطنين المتسابقين إلى المستشفيات بحثا عن ذويهم الذين ظنوهم استشهدوا أو جرحوا تحت هذه القنابل .
دخلت البيت وعانقتني أمي حامدة الله على وصولي سالما .
استلقيت على السرير مباشرة , سألتني أمي إذا ما أردت تناول الطعام فقلت لها " لا شكرا فلا مجال للطعام في هذا اليوم "
ذهبت في نوم عميق حيث بعيدا عن هذه الانفجارات والقنابل .